-ربنا عز وجل قال في كتابه العزيز.. بسم الله الرحمن الرحيم “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” صدق الله العظيم.. وده معناه يا ولاد إن رب الكون، خلق نوعين من المخلوقات عايشين في الأرض دي، وليهم وعي وإدراك كامل.. يعني يقدروا يختاروا بين الصح والغلط، والنوعين دول هم الجن اللي اتخلقوا قبلنا، والإنس.. اللي هم احنا كبني أدم.
لما أستاذ الدين قال كده، رفعت إيدي، فبص لي وقال لي..قصة سكن المنيا (تجربة حقيقية)
-انا أسف يا أستاذ لو كنت قاطعت حضرتك، بس انا في سؤال شاغلني اوي ونفسي اعرف اجابته بخصوص موضوع الجن والشياطين ده.
-ولا يهمك يا حبيبي، طالما السؤال في موضوع الدرس، وأجابته ممكن زمايلك يستفادوا منها، فاسأل عادي وانا هجاوبك.
-شكرًا يا أستاذ.. دلوقتي حضرتك بتقول إن ربنا خلق الجن والإنس، طب البني أدم بقى لما بيموت والناس بتشوف عفريته في المكان اللي هو مات فيه او في المقابر مثلًا، ده بيبقى ايه، جن ولا ايه يعني عشان انا حقيقي متلخبط ومش عارف.
لما سألت سؤالي ده، قرب مني الأستاذ وهو باصص لي باهتمام اوي..
-سؤالك مهم يا سعد.. اللي بيتشاف يا سيدي بعد موت الأنسان ده وبيكون شبهه، ده مش عفريت… هم الناس سموه عفريت، لكن هو مش كده.. ده القرين، قرين البني أدم اللي بيظهر في شكله بعد موته، والقرين ده غالبًا بيكون شيطان، وبيظهر للناس عشان تلات حاجات مالهمش رابع.. اولهم إنه يخوفهم ويسبب لهم أذى، وده طبع الشيطان على فكرة، وتانيهم إنه يخوفهم ويأذيهم، وكمان يهز إيمانهم برب العالمين.. وده برضه من طبع الشيطان، اما الشيء الأخير بقى او الحالة الأخيرة اللي ممكن يظهر فيها القرين للناس، فغالبًا بيكون لسبب ما مُتعلق بموت صاحبه، يعني تملي نسمع عن إن البني أدم اللي بيموت موتة مش طبيعية، بيظهر قرينه، او عفريته يعني زي ما الناس بيقولوا.. في المكان اللي هو مات فيه او عند مدفنه، وده ببساطة يا سيدي لأن القرين بيتسرع لما صاحبه بيموت على غفلة، وخصوصًا بقى لو صاحبه ده مات وطريقة موته كانت بشعة، فالقرين بيتسرع وبيفضل ملازم المكان اللي مات فيه صاحبه او اللي اندفن فيه، وبيتصرف تصرفات الأنسان المختل وبيبدأ يرعب في أي بشر بيشوفهم، وده لأنه مابيبقاش مصدق إن صاحبه مات بالشكل ده، لكن صدقني يا ابني.. في كل الحالات هو مالوش أي سلطان علينا، الأنسان المؤمن لا يخاف من شيطان ولا من جن ولا من أي حاجة.. مايخافش بس غير من ربنا عز وجل.. ربنا اللي لو حطيت إيمانه يقين في قلبك، هتقدر وقتها بس تتغلب على أي خوف وعلى أي شيطان او جن كافر يقابلك.
ولحد هنا يا سيدي بيخلص الحوار اللي دار بيني وبين استاذ الدين في المدرسة الابتدائية اللي كنت فيها وانا صغير، والحوار اللي تم ده.. رغم إنه كان من سنين كتير، إلا إني فضلت فاكره كويس لحد ما خلصت ابتدائي، واعدادي، وبعدهم دخلت ثانوي عام.. ومع دخولي للثانوية، ركزت في مذاكرتي وبقيت بعمل اللي عليا لحد ما ربنا كرمني وخلصت السنة اللي فاتت.. والحمد لله يعني جيبت مجموع مش عالي اوي، لكن في الحقيقة اهلي فرحوا بيه لأن انا من قرية من قرى محافظة بني سويف، وفرحة
اهلي زادت اكتر لما التنسيق وداني كلية حقوق جامعة المنيا.. ولحد هنا الدنيا كانت ماشية تمام وزي الفل، لحد ما اكتشفت انا وأهلي حاجة مهمة اوي، انا المفروض هسافر كل يوم، من محافظة بني سويف لحد جامعتي اللي في محافظة المنيا!.. يعني كل يوم الصبح؛ هخرج من قريتي واركب مواصلات واروح لحد محطة القَطر، ومنها هركب وانزل المنيا، وبعد كده هاخد مواصلات تانية توديني الجامعة!.. ده مرار مش مشوار عادي!.. وعشان كده قرر ابويا إن انا اقدم في سكن الطلبة، وفعلًا قدمنا وظبطت كل حاجة، ومن فضل ربنا وكرمه وتساهيله، إن انا اتسكنت ورتبت اموري على إن انا هعيش في السكن طول فترة دراستي، ولحد هنا الدنيا كانت تمام وماكنش في أي حاجة غريبة؛ انا استلمت مكاني في السكن، وبالتحديد في الدور التالت في مبنى، اسمه المبنى الجديد.. واتعرفت فيه على زمايلي وابتدينا نتكلم عن أحلامنا وطموحتنا وعن كل واحد فينا نفسه يطلع ايه، لكن ليلتها واحنا بنتكلم.. سمعنا في الدور اللي فوقينا، أصوات عفش بيتجر وشباب بيتكلموا مع بعض بصوت عالي!.. وقتها الأصوات دي خلتنا نسكت خالص ونبص لبعض بذهول وقلق.. وقبل ما تسأل احنا ايه اللي خلانا نسكت ونقلق بالشكل ده، فانا هقولك يا سيدي.. المفروض إن المبنى اللي احنا فيه ده مبنى جديد، متبيض كويس وشكله نضيف اوي، لكن في حاجة بقى.. المبنى ده فيه خمس أدوار.. الدور الاول، قاعدين فيه شباب عددهم قليل لسبب ما انا ماعرفوش الحقيقة، بس سمعت إنهم اصحاب ومن بلد واحدة وكمان في كلية واحدة، والتاني فيه عدد سكان كويس، والتالت اللي انا فيه ده، كان فيه العدد كامل، اما بقى الدور الرابع والخامس، فالأدوار دي من أول ما جينا، واحنا اتقالنا انها مقفولة ومافيهاش حد، ومن هنا لاخر السنة، الدورين دول مش هيتفتحوا من أساسه، والحقيقة احنا ماسألناش عن السبب.. احنا دخلنا ايه بدورين مقفولين، احنا كل واحد فينا استلم مكانه واتسكن فيه وخلاص، لكن وقتها بقى لما سمعنا الاصوات دي، بصينا لبعض واحنا ساكتين ومش فاهمين حاجة!
كنا اربع شباب كلنا في سنة أولى، انا سعد في كلية حقوق، وجنبي بهاء اللي معايا في نفس الكلية، وقصادنا كانوا قاعدين محمد ومحمود، صعايدة زيي انا وبهاء برضه.. وفي كليتين غير كلياتنا، فضلنا باصين لبعض شوية واحنا ساكتين، لحد ما قطع بهاء السكوت لما قال لنا وهو باصص على السقف..
-خبر ايه يا جدعان، هو مين اللي بيجر عفش الساعة دي في الدور المقفول اللي فوقنا؟!
رفعت كتافي وانا مش عارف اقوله ايه، بس محمد هو اللي رد وقال له..
-يا سيدي.. تلاقي المشرفين بيجيبوا او بيطلعوا حاجة، عادي يعني.. احنا مش قاعدين لوحدنا في المبنى يا ابو عمو.
لكن بسرعة رد عليه محمود..
-لا لا يا محمد.. مشرفين ايه اللي هيطلعوا فوق الساعة دي، وبعدين هم قالوا إن الأدوار دي مقفولة اصلًا، الرابع والخامس فاضيين ومقفولين، يعني لو حصل ضغط وجم طلبة كتير ممكن يتفتحوا.. وماحدش من المشرفين ولا من اللي موجودين في المبنى، قال إن فيهم عفش من اصله.
لما محمود قال كلامه ده، بصيت لمحمد وقولتله..
-صح.. محمود معاه حق ومافيش طلبة هيتسكنوا دلوقتي لو الدورين سكنوا يعني، وبعدين هم لو اللي فوق مشرفين زي ما بتقول، تقدر تقولي بقى هم عاملين دوشة وهيصة ليه؟.. وبعدين مشرفين ايه اللي هيطلعوا يجروا عفش الساعة واحدة بعد نص الليل يا عم الحاج!
-يعني ايه يعني يا عم سعد، هيكونوا ايه يعني، عفاريت؟!
جاوبته وانا ببص له وبعد كده بصيت لمحمد ومحمود..
-الله أعلم.. عندنا في البلد بيقولوا إن الأماكن المقفولة بتتسكن، وماتنساش إن المبنى ده أكيد بيبقى مقفول طول ايام السنة، وبيتفتح في أيام الدراسة بس، فجايز يكون..
قطع كلامي محمد بسرعة..
-يا سيدي حتى لو مسكون، هم في حالهم واحنا في حالنا، احنا كده كده بنسهر في بلادنا اللي احنا منها لوش الفجر، ومابيفرقش معانا حاجة، وطالما هم في مكانهم واحنا في مكاننا، يبقى كل واحد يلزم حدوده ومكانه يا عمهم.. ولا ايه يا ابو عمو.. ولا احنا هنخاف ولا ايه؟.. هم الصعايدة بيخافوا من حاجة؟
بصراحة كلام محمد اللي دمه خفيف ده شجعنا، فطنشنا موضوع الأصوات ده، وفضلنا قاعدين بنرغي وبنتكلم شوية، ومش بس كده.. ده احنا كمان طلعنا موبايلتنا وابتدينا نلعب لعبة اون لاين احنا الاربعة، وفضلنا نهزر ونضحك لحد ما على الساعة تلاتة كده، نعسنا بصراحة وقولنا ننام.. دخل كل واحد مننا على سريره، وشغلنا جنبنا قرأن على موبايل بهاء، وابتدينا ننام، واول ما حطينا دماغنا على المخدات ابتدت الأصوات تعلى أكتر من فوقينا.. خبط ورزع وناس بتتخانق، وأصوات هرج ومهرج!
-استغفر الله العظيم يارب، هم دول المشرفين اللي بينقلوا عفش من فوق يا عم محمد؟!
لما بهاء قال كده، رد عليه محمد وهو لسه نايم مكانه بصوت عالي..
-يا عم بهاء ما انا قولتلك، جايز مايكونوش المشرفين، وجايز يكونوا بسم الله الرحمن الرحيم يعني.. وطالما احنا في حالنا وهم في حالهم، يبقى خلاص بقى.
لما محمد قال كده، رد عليه محمود..
-يا عم حالهم ايه بس، احنا مش عارفين ننام من كتر التخبيط، ده ولا كأنه مولد فوق دماغنا يا عم محمد!
-وهنعمل ايه يعني يا محمود، هنطلع نمسك في خناق العفاريت ونقولهم اسكتوا وحياة ابوكوا مش عارفين ننام؟!.. حط المخدة على دماغك انت وهو، وانت يا عم بهاء، عَلي صوت القرأن شوية وخلونا نتخمد بقى، الواحد وراه محاضرات الصبح.
بعد ما محمد قال كلامه ده، عَلى بهاء صوت القرأن، وكلهم حطوا المخدات على دماغهم وحاولوا يروحوا في النوم، إنما انا بقى.. انا ماتكلمتش ولا حتى قدرت اعمل زيهم، وده لأن بالرغم من إن الأصوات هديت شوية لما علينا القرأن، إلا إن انا برضه كنت قلقان وماعرفتش انام.. وقلقي وتوتري ده خلاني بعد شوية قومت من مكاني وهم نايمين، وروحت ناحية الصالة عشان ادخل الحمام.
خرجت من الأوضة ومشيت في الطرقة اللي كانت ضلمة ومُقبضة بشكل بايخ، لكني ماهتمتش بشكلها وخدت بعضي ودخلت الحمام، وبعد ما خلصت وخرجت، ووقت ما كنت ماشي في الصالة وراجع أوضتي، لَفت نظري حركة على السلم اللي في نهاية الطُرقة، اتمشيت ناحيته بالراحة وساعتها سمعت صوت رجلين.. الصوت كان واضح اوي لدرجة إني عرفت من خلاله، إن الشخص اللي على السلم ده طالع لفوق.. او بالتحديد يعني، للدور الرابع والخامس اللي المفروض مقفولين!
ونفس فضولي اللي خلاني اروح ناحية السلم اول ما حسيت بخطوات جاية من ناحيته، كان نفس الفضول اللي خلاني اطلع واشوف مين اللي طالع للأدوار المقفولة في الوقت ده.. اتشجعت وطلعت على السلم بخطوات بطيئة لحد ما وصلت عند الدور الرابع، كان بابه الحديد؛ عبارة عن قضبان كده جنب بعض، ومقفولين بجنزير كبير وعليه قفل، الباب ده كان مانع أي حد من إنه يدخل جوة، وعشان كده وقتها اطمنت شوية وقولت إن مافيش حد… وإن انا ممكن يكون بيتهيألي إن حد طلع، وحتى لو كان في حد طلع ووصل للخامس، فانا مش هطلع ولا ههتم من أساسه، طالما الدور اللي فوقينا فاضي ومقفول ومافيهوش حد، كده يبقى فل اوي.. كلام بهاء ومحمود كان صح، دول لا مشرفين ولا حد بينقل عفش ولا.. ايه ده؟!.. انا لمحت حد بيتحرك جوة الطرقة بتاعت الدور الرابع!
طلعت موبايلي من جيبي ونورت الكشاف بتاعه لأن الدور من جوة كان مضلم، ماهو نور السلم الضعيف، يادوبك بس، كان مخليني اشوف الباب الحديد والقفل والجنزير، فعشان اشوف مين اللي في الطُرقة، وجهت كشاف موبايلي ناحية فتحة بين قضبان الباب، ويارتني ما عملت كده.. انا اول ما وجهت الكشاف وبصيت ناحية النور بتاعه، جسمي كله اتخشب من اللي شوفته.. انا لقيت في نص الطُرقة بالظبط شاب شكله غريب، كان لابس سويت شيرت وبنطلون ترنج، ووشه عمال ينزف دم بشكل كبير جدًا.. لدرجة إن رقبته بالهدوم اللي عليه، كانوا مليانين دم!
بلعت ريقي بصعوبة ولسه هتكلم واسأله انت مين او حتى اقرا قرأن، ماعرفتش، ماعرفتش لأني فجأة لقيته بيتحرك وجاي ناحيتي بسرعة.. بعدت كام خطوة لحد ما لصقت في الحيطة اللي ورايا، وبمجرد ما بعد عن الباب، لقيته وقف قصادي بالظبط.. ماكنش بيفرق ما بيني وما بينه غير القضبان اللي أول ما جه يخرج إيديه منها، مرة واحدة اتسَحَب لجوة بسرعة.. مالحقتش اشوف مين اللي سحبه او سحبه ليه او ازاي، انا كل اللي سمعته وقتها كان صوت خناق، اتنين بيزعقوا لبعض وبيقولوا كلام مش مفهوم.. في اللحظة دي اتشجعت لما افتكرت كلام مدرس الدين بتاع ابتدائي.. صوته اتردد في عقلي زي طوق النجاه… “الأنسان المؤمن لا يخاف من شيطان ولا من جن ولا من أي حاجة.. مايخافش بس غير من ربنا عز وجل.. ربنا اللي لو حطيت إيمانه يقين في قلبك، هتقدر وقتها بس تتغلب على أي خوف وعلى أي شيطان او جن كافر يقابلك” فبسرعة ومن غير أي تفكير، بصيت في شاشة موبايلي وشغلت قرأن.. عليت الصوت وبعدت عن الباب، وساعتها الأصوات كلها سكتت.. زي ما يكون كل اللي كانوا بيتكلموا جوة الدور، جالهم خرس فجأة!
واول ما الدنيا هديت خالص، خدت نفسي بالراحة ونزلت لأوضتي، دخلت على سريري وطفيت القرأن لأن تليفون بهاء كان لسه شغال، وفضلت ليلتها طول الليل، مبرق عينيا وباصص للسقف، دماغي مابطلتش تفكير، انا اه طول عمري كنت اسمع عن الشياطين والجن والعفاريت لأني من قرية، بس حقيقي انا عمري ما شوفتهم، والنهاردة.. النهاردة بس، بقيت متأكد ١٠٠% إن انا قابلت واحد منهم، ماعرفش بقى هو قرين ولا شيطان ولا جن، انا كل اللي اعرفه ومتأكد منه كويس اوي إنه مش بني أدم، اه طبعًا مش بني أدم.. وده هيبقى بني أدم ازاي بعد كل اللي شوفته وحصل قصاد عيني ده؟!
وفضلت على الحال ده لحد الصبح، ومع طلوع النهار، كل واحد مننا لبس هدومه ونزل على محاضراته، ومش هكدب واقولك بقى انا طول النهار كنت بفكر في اللي شوفته بالليل وكل الكلام الخايب ده، لا.. انا ماعملتش كده.. انا كنت مركز في محاضراتي اللي مافهمتش منها اي كلمة في الحقيقة، وده لسببين؛ اولهم إن انا لسه جديد على اجواء الجامعة وكده، وتانيهم إن انا ماكنتش نمت كويس، فتركيزي كان قليل جدًا، وكملت على الحال ده باقي اليوم لحد ما روحت السكن، وبمجرد ما دخلت السكن على الساعة ٤ العصر كده، نمت بهدومي على السرير.. وطبعًا مش محتاج اقولك إن انا نمت زي القتيل لحد ما صحيت على صوت بهاء بيصحيني، فتحت عيني لقيت المشرف اللي بياخد الغياب واقف معانا في الأوضة، مسكت موبايلي وبصيت فيه، لقيت الساعة ١٠ بالليل..
-طول الليل يا حضرت المشرف، خبط ورزع وناس بتتكلم وناس بتتخانق، حاجة ما يعلم بيها إلا المولى، لكن هنعمل ايه بقى، احنا شغلنا قرأن وحطينا المخدات على دماغنا ونمنا وخلاص.. بس الظاهر إن سعد ماعرفش ينام.
بص لي المشرف وقال لبهاء بصوت عالي..
-مظبوط يا بهاء.. معاك حق، اوعى حد منكم يركز مع اي حاجة يسمعها، او شيطانه يركب دماغه ويخليه يطلع فوق، احنا مش ناقصين بلاوي.. وأظن يعني إن مافيش حد فيكوا يرضى إنه يتأذي.
-اه كبير.. وكبير اوي كمان، ماهو المبنى ده من زمان، الحتة الأرض اللي تحته، كان مبني عليها مَبنى لطلبة كلية طب، يعني مشارح وجثث وأطراف وغيره وغيره.. ومع الوقت، المبنى ده بقى قديم اوي واتنقلوا سكان طلاب كلية طب من هنا، لمكان تاني، ولأن المبنى كان قديم اوي زي ما قولتلكوا، فمانفعش معاه التجديد.. ده اتهد وبنوا مكانه مبنى تاني اكبر وفيه أدوار اكتر، لكن المبنى الجديد الوضع فيه ماكنش احسن حاجة.. العيال اللي سكنوا فيه واللي كانوا طلبة زي حالاتكوا كده، ابتدوا يقولوا إنهم بيحسوا بخنقة وضيق لما بيتجمعوا مع بعض أخر الليل، لكن ده كان كلام فارغ.. او وقتها كان بيتشاف كده، لحد ما في مرة، اتنين شباب من اللي كانوا قاعدين في الدور الرابع اتخانقوا مع بعض.. وكلمة من ده على كلمة من ده، الخناقة البسيطة اتقلبت لعركة كبيرة.. عركة وقفوا فيها زمايل الاولاني ضد التاني وزمايله، وزمايل التاني ضد الأولاني وزمايله، وهاتك بقى يا ضرب ويا زعيق طول الليل، لحد ما الواد التاني وفي وسط الخناقة كده، راح ومسك سكينة وقرب من الواد الاولاني، حاول يضربه اكتر من مرة لحد ما فلت منه وجرجره وراه لحد البلكونة، وفي وقت ما كانوا بيزقوا بعض، الواد الأولاني لأنه كان عفي.. سحب السكينة من إيد التاني وفضل يضرب فيه بيها وبعد كده رماه من البلكونة، وساعتها الواد وقع جثة.. فزمايل اللي وقع ده، جريوا على الواد اللي وقعه وكانوا هيضربوه، ولما ارتبك ولاحظ المصيبة اللي هو عملها، وحس إن كده كده مستقبله ضايع، لأنه يا إما هيتضرب من زمايل الواد اللي قتله علقة موت، يا إما هيمسكوه وهيتسلم للحكومة ويتسجن، وعشان كده بقى ومن غير اي تفكير، نط من البلكونة ووقع ميت، يعني حصل زميله، بعدها الحكومة جت وخدوا الجثتين وأهاليهم استلموهم والموضوع اتقفل على كده وكنا خلصنا والحياة كانت ابتدت ترجع تاني، بعد ما المبنى اتقفل مؤقتًا بعد الواقعة دي، لكن في الحقيقة يا ولاد الحياة مارجعتش زي ما كانت.. المبنى بقوا كل اللي فيه، او بالتحديد يعني.. الطلبة اللي في الدور الرابع والخامس، كلهم بقوا بيقولوا إنهم بالليل بتحصل لهم حاجات غريبة، اللي يتضرب وهو نايم ويقوم مفزوع، واللي يشوف الواد الاولاني اللي مات وهو غرقان في دمه، واللي لما يجي يستحمى او يدخل الحمام بالليل، يشوف خيالات بتضرب فيه، فيطلع يجري من الحمام زي المجاذيب.. وفضل الحال على الوضع ده، لحد ما واحد من طلبة حصل له موقف مرعب اوي، كان في الحمام بالليل وشاف عفريت الواد اللي مليان دم ده، ولأن الواد كان قلبه ضعيف، فماستحملش وفضل يصرخ لحد ما فقد الوعي، جت له غيبوبة فضل فيها لأيام، ولما فاق منها، فقد النطق وبقى ساكت خالص ومابيتكلمش، ومن بعد اللي حصل للواد ده.. والطلبة بدأوا يتسرسبوا واحد ورا التاني لحد ما المبنى فضي وماحدش بقى بيسكن فيه، وفضل كده لحد ما السنة اللي فاتت اتفتح واتجدد.. لكنه لما اتجدد واتفتح، أصرينا إن الدور الخامس والرابع، لا يتجددوا ولا يتسكنوا.. وعشان كده قفلناهم بالجنازير وكأنهم مش موجودين، واديني بقولكوا اهو.. لو حد فيكوا طلع فوق، هيحصل له نفس اللي حصل للواد، ولو فضلتوا في أماكنكم ملتزمين زي زمايلكوا بتوع السنة اللي فاتت، سنتكوا هتعدي على خير والأصوات اللي بتسمعوها مع الوقت هتهدى شوية بشوية لحد ما تختفي خالص، وياريت من هنا لحد ما الاصوات تختفي.. حاولوا تشغلوا قرأن باستمرار وماتركزوش مع اي حاجة هتسمعوها، تمام ولا في كلام تاني؟!
هزينا للمشرف راسنا وسمعنا كلامه.. ومن يومها واحنا بننفذه بالحرف الواحد، بننفذه برغم الأصوات اللي بنسمعها والخبط والرزع بتاع كل ليلة، وعلى فكرة.. الأصوات مع الوقت بقت أقل اه.. لكنها لسه مستمرة لحد النهاردة، لحد التاريخ اللي بحكيلك فيه القصة دي، وهو الاتنين ٢٠ ديسمبر ٢٠٢١.. ولسه برضه زي ما احنا.. كل ليلة اول ما نسمع أصوات الخبط والخناق، نشغل القرأن ونعليه على اخر، وبعد شوية.. تبتدي الاصوات تهدى شوية بشوية لحد ما تسكت خالص، واهو.. اديهم عايشين معانا واحنا بنتعايش معاهم، واوعدك.. لو عرفت جديد او لو حصلي اي حاجة تانية، هرجع وهحكيلك..
(تلك القصة هي قصة حقيقية بحسب رواية صاحبها.. ولك كل الحق عزيزي القارىء في التصديق من عدمه…)